الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الثاني)
229270 مشاهدة
الكتابة

والكتابة: أن يشتري الرقيق نفسه من سيده بثمن مؤجل بأجلين فأكثر، قال تعالى: فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا النور: 33 يعني: صلاحًا في دينهم وكسبًا.
فإن خيف منه الفساد بعتقه أو كتابته أو ليس له كسب: فلا يشرع عتقه ولا كتابته.
ولا يعتق المكاتب إلا بالأداء ؛ لحديث: المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته درهم رواه أبو داود وعن ابن عباس مرفوعًا، وعن عمر موقوفًا: أيما أمة ولدت من سيدها فهي حرة بعد موته أخرجه ابن ماجه والراجح الموقوف على عمر رضي الله عنه. والله أعلم.


الكتابة:
قوله: (والكتابة: أن يشتري الرقيق نفسه من سيده بثمن مؤجل بأجلين فأكثر، قال تعالى... إلخ):
سميت بذلك لأنها تكتب الأقساط؛ سواء أكان كل سنة أم كل شهر، يشعر العبد من نفسه بأنه قادر على الكسب؛ فيقول: يا سيدي بعني نفسي، فيقول:
قيمتك حاضر عشرة آلاف أبيعك نفسك بعشرين ألفًا مؤجلة لمدة أربع سنين كل سنة تسلم خمسة آلاف، فيقول: قبلت، ثم يذهب يحترف؛ يكتسب ويشتغل ويتجر ويعمل، فإذا أدى إليه أقساطه الأربعة، عشرين الألف عتق.
إذا طلب منه هذا العبد الكتابة وعلم أنه قادر لزمه ذلك، لقوله تعالى:
وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا النور:33 يعني: من مماليككم إذا طلبوا الكتابة فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرًا، إذا علمت مثلا أنه سيصير عضوًا عاملاً لا عضوًا أشلّ، إذا علمت بأنه سينفع نفسه وسينفع المسلمين إذا عتق وعلمت أنه قادر على الكسب ويقدر على الاحتراف ويقدر على الاتجار والاكتساب، وسيؤدي النجوم التي عليه في حينها، ففي هذه الحال يلزمك أن تكاتبه.
ثم قال تعالى: وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ النور: 33 الأمر إما أنه للعائل السيد أو أنه للمسلمين عمومًا، يعني أيها المسلمون ساعدوا هذا العبد الذي اشترى نفسه، أعطوه من مال الله الذي آتاكم حتى يحرر نفسه.
وإذا قيل: إنه للسيد، فقيل: إنه يلزمه أن يعتقه ويسقط عنه الثلث أو الربع، أو الخمس، على قدر عسره أو يسره.
وقوله تعالى: إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا النور: 33 يعني: صلاحًا وكسبًا وقدرة على الاتجار وقدرة على الاكتساب، فإن خيف منه فساد بعتقه فلا يشرع، إما لأنه يصير عالة على الناس، وإما لأنه يصير مع قطاع الطريق، وإما لأنه يصير مثلاً مع أهل الشرور وأهل الغناء وأهل اللهو، وما أشبه ذلك.
قوله: (ولا يعتق المكاتب إلا بالأداء؛ لحديث: المكاتب عبد إلخ):
يعني: إذا أدى آخر ما عليه عتق وصار حرًّا، لقوله صلى الله عليهه وسلم: المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته درهم وفي حديث عن أم سلمة: إذا كان لإحداكن مكاتب فملك ما يؤدي فلتحتجب عنه . يعني: أصبح ليس محرفًا لها، أصبحت ملزمة بأن تحتجب عنه.
صورة ذلك: إذا كان هذا العبد اشترى نفسه بعشرين ألف درهم من امرأة، ثم إنه اكتسب أموالا كثيرة كل سنة يؤدي إليها خمسة آلاف، يكتسب في السنة أكثر من عشرين ألفًا وقد اكتسب أرضًا وبني دارا وملأها أثاثا، وصار عنده متاع أصبح مالكًا لثمنه أو لأضعاف ثمنه؛ فإنها تحتجب عنه.
قوله: (وعن ابن عباس مرفوعا، وعن عمر موقوفًا: أيما أمة ولدت من سيدها فهي حرة بعد موته إلخ):
هذه أم الولد، وصورته: إذا كان لك أمة مملوكة ثم إنك وطئتها بملك اليمين، فحملت، فولدت ولدًا ذكراً أو أنثى، حيًّا أو ميتًا؛ إذا تبين فيه خلق الإنسان فإنها تصير حرة بعد الموت، ومادام حيًا فإنه يستخدمها ويطؤها ويستمتع بها فإذا مات عتقت من رأس المال، هذه أم الولد، وفيها خلاف، حتى إن بعضهم يقول:
يعتقها ولدها أو تعتق من نصيب ولدها، والراجح أنها تعتق من رأس المال.